متشردون بين مطرقة البرد والجوع وسندان كورونا

6 ديسمبر 2021
متشردون بين مطرقة البرد والجوع وسندان كورونا

يواجهون خطر الظلام، ووباء كورونا، ويجاهدون الهموم والجوع، ويصارعون قساوة الشتاء.. هي وضعية مأساوية للمتشردين الذين تزايدت معاناتهم مع موجة برد اجتاحت مدينة وجدة، مصحوبة بالصقيع لعدة أيام.

وطبع الواقع المرير يوميات وليالي هؤلاء المتشردين، مع بداية شتاء يؤكد المختصون أنه الأشد برودة، حيث لا سقف ولا طعام ولا حماية من فيروس كورونا الذي تزداد خطورته يوما بعد يوم، فهم إلى جانب مواجهتهم مصيرا مجهولا، فإن الليل البارد والممطر يهدّدهم بالموت.

متشردون يواجهون برد الشتاء بـ”الكارتون”
“الشارع لا يأتي بالخير” هكذا اختصر شخص أربعيني معاناته كان يفترش الكرتون ويلّف حوله بطانية مهترئة ومغبرة، بنبرة يأس وألم، حيث اختار عتبة مدخل إحدى العمارات، حيث يعد واحد من ضمن عشرات المتشردين الذين احتضنتهم الأزقة والحدائق العمومية بعد أن ضاقت بهم الحياة.. يقضون لياليهم الباردة دون مأوى ويتّخذون من مداخل العمارات والممرات المغطاة، وبعض محطات الحافلات، والأماكن المتوفرة على أوقية، مخبأ لهم من البرد والمطر، حيث شكلوا ديكورا ملفتا للانتباه في وجدة.

ومن خلال جولة ميدانية ليلية للجريدة، تم الوقوف على مشاهد المتشردين النائمين على الأرض، وأثقال الأفرشة فوق ظهورهم، وأطفال يلعبون بالقرب منهم في وضعية كارثية تثير الشفقة، خاصة أنّ البرد كان يتسرب بقساوته إلى العظم في أجساد كانت تمشي وتتسارع لدخول بيوت يسودها الدفء والألفة العائلية، فما بالك بأجساد مضطرة اضطرارا للبقاء تحت رحمة هذا البرد!
وقد جلس كهل على السلالم الإسمنتية بالقرب من بريد المغرب، وهو يضع كفيه على فمه، محاولا أن يبعث فيهما نفسا دافئا، وكأنه يعيش عالما بعيدا عن عالم كل من حوله.
وفي شارع محمد الخامس بوجدة، تفترش فئة المتشردين الكرتون، وأجسادهم ترتعش من البرد، حيث يسمع أنينهم كلما زاد الصمت وخلت الشوارع من المارة.

مجهولو النسب والمطلّقات والمسنون والمجانين.. أكثر الفئات المتشردة
والمعاناة الحقيقية لفئة احتلت شوارع المدينة، تحولت مؤخرا، إلى أماكن تحمل قصص أليمة ومحزنة للمتشردين الذين جاؤوا إليها من كل فج عميق، أكثرهم من فئة مجهولي النسب والمطلقات وكبار السن، والمختلين عقليا، الذين هرب بعضهم من مستشفى الامراض العقلية ودور العجزة لاحتراف التسول، فيما يخاطر آخرون بحياتهم وحياة أطفالهم للظفر بسكن اجتماعي.
ويغير هؤلاء المتشردون أماكن النوم ليلا، وذلك حسب الظروف والمناخ ويتشكل بعضهم ضمن مجموعات للدفاع عن بعضهم البعض في حال تعرضهم للخطر أو الاعتداء من الغرباء.

متشردون مجانين يثيرون رعب المارة
وقد أدى التزايد الملحوظ في عدد المتشردين، خاصة في كبريات المدن المغربية، إلى بروز الكثير من المؤشرات التي تنذر بخطورة الظاهرة، وأثار وجود هؤلاء في بعض الأماكن، خوف المارة وخاصة الذين يتجولون ليلا، أو يتأخرون في الدخول إلى بيوتهم، حيث يتوقعون في أي لحظة الاعتداء عليهم من طرف أحد المتشردين، الذين اختلطوا بين المختلين عقليا والمنحرفين ومتعاطي المخدرات والخمور.
ودعا بعض المواطنين الذين اقتربت منه الجريدة في وسط المدينة، لمعرفة انطباعهم حول ظاهرة التشرد في ظل موجة بارد غير مسبوقة، إلى ضرورة الرقابة والتكفل بالأشخاص دون مأوى، مؤكدين أن أماكن في وجدة مثل ساحة باب سيدي عبد الوهاب، وساحة المغرب العربي، ساحة جدة، أصبحت تثير مخاوفهم بمجرد أن يحل الظلام، وهذا بسبب وجود عشرات المتشردين من مختلف الفئات والأعمار وهم في الغالب يتصفون بسلوك عدواني وعنيف.

قضية المتشردين لا تحل بالبطانيات والوجبات الساخنة
تقديم الوجبات الساخنة، والأفرشة للمتشردين، ليس حلا نهائيا، يمكن من خلاله تفريغ الشوارع من هذه الفئة الاجتماعية الهشة، حيث لا يجب النظر للقضية من منطلق سياسي. فالتخلي عن العادات والتقاليد، وتجاهل الجيرة والقرابة، مشاكل أخلاقية وراء تواجد عائلات في العراء، وأن السلطات المختصة، مدعوة لمعالجة مثل هكذا ظواهر، وذلك بإشراك بعض القطاعات والفاعلين في العمل الخيري.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

باستمراركم في تصفح هذا الموقع، نعتبر أنكم موافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" أو التقنيات الأخرى المماثلة لها والتي تتيح قياس نسب المتابعة وتقترح عليكم خاصيات تشغيل ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي أو محتويات أخرى أو إعلانات قائمة على خياراتكم الشخصية
موافق