مديح: يجب إعادة النظر في أهداف المقاصة والمقاطعة تجعل المستهلك فاعلا اقتصاديا
قال وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بالمغرب، إن المستهلك يمكن أن يتحول إلى فاعل اقتصادي، ويساهم في قلب توازنات السوق، إذا قام بأدواره الحقيقية، المتمثلة في التشبث بحق الاختيار، ومقاطعة المواد التي ترفع الأسعار، مؤكدا أن الموردين لا يمكنهم السباحة ضد التيار، لذلك يراجعون سياساتهم. وأضاف مديح، أن الزيادة في أسعار زيت المائدة مرفوضة، خاصة أنها جاءت في سياق يعيش فيه المغاربة ضعفا كبيرا في القدرة الشرائية، نتيجة ما خلفته جائحة كورونا من مشاكل اقتصادية. في ما يلي نص الحوار:
> كيف تلقيتم في الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك الزيادات الأخيرة في مادة زيت المائدة؟
>نددنا بهذه الزيادات في بيان عقب رصدها، وقلنا إنها جاءت في وقت غير مناسب، خاصة أن الجائحة تركت آثارا سلبية على القدرة الشرائية للمواطن وعلى الاقتصاد الوطني، إذ أن عددا كبيرا من المستهلكين، كانوا مستهدفين من قبل الشركات ومشغليهم، إذ أصبحوا بدون عمل أو دخل.
> إذن المشكل بالنسبة إليكم في التوقيت وليست في الزيادة في حد ذاتها؟
> لا، المشكل في الزيادة، وحتى في الوقت غير المناسب، لأن زيت المائدة هي مادة أساسية، وبالتالي فإنها تستهلك من قبل جميع شرائح المجتمع، خاصة الفئات الفقيرة.
ونعلم أن هذه المادة أساسية، وكانت مدعمة في وقت من الأوقات، واليوم أصبحت خاضعة للمنافسة. أعددنا تقريرا، وتبين لنا أن جل الماركات شهدت ارتفاعا في الثمن، وحينما تكون لدينا علامتان تجاريتان مسيطرتين على السوق، تكون الزيادة ذاتية للهيمنة على السوق، أو أن هناك اتفاقا ضمنيا بين الموردين لرفع الأثمان، وهذه المسألة مخالفة لشروط المنافسة الشريفة.
> اعتمد المغرب سياسة السوق المفتوحة لكن هل وفر للمستهلك سلعا وشركات متنوعة لتحقيق شرط الاختيار وضمان المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين؟
> الذي يمكن أن يسهر على ضمان وتأطير المنافسة الشريفة، هو السلطات المختصة في الميدان، المتمثلة في مجلس المنافسة في حالتنا وإذا كان المغرب ينتهج سياسة السوق المفتوحة والانفتاح مثل عدد آخر من الدول، فمن الضروري وجود آليات تجعل من السوق المفتوحة حقيقة، ويكون هناك احترام للتنافسية الشريفة، وبالنظر إلى القانون 12/104 المتعلق بتحديد الأسعار والمنافسة، فهو كاف للحرص على وجود منافسة شريفة.
ولا ننس أن هذا المجلس عرف تطورا كبيرا عبر سنوات، وإصدار عدد من القوانين المتعلقة بتحديد مهامه وغيرها، كما صادف تعيين أعضائه المقاطعة الأولى في 2018، والذين خرجوا للميدان من أجل القيام بعملهم. والسوق المنفتحة لا تعني تركها تخضع لقانون الغابة، بل يجب إرساء قواعد المنافسة، عبر السلطات المختصة، التي تراقب هل هناك اتفاق بين المنتجين أم لا.
> لكن عمل المجلس يبقى محدودا، إذ أن أسعار المحروقات مثلا متقاربة ويشك المستهلك أن الشركات متفقة على السعر؟
> أتفق معك، وأقول إنه ولو كان الفرق بين أسعار المنتوجات التي تعرضها الشركات صغيرا، فإنه مسألة إيجابية، لنأخذ مثال المحروقات، نجد أن الفرق بين أغلى وأرخص منتوج يتراوح ما بين 20 سنتيما إلى 30، وهذا الهامش الصغير يمكن للمستهلك أن يقلب به توازنات السوق، ويجعل الموردين يلتزمون.
وما دام المستهلك له حق اختيار المنتوج الذي سيستهلكه، فإنه يجب أن يستهلك الأرخص، خاصة إذا كانت السلع بالجودة نفسها، ومن هنا فإن الشركات التي تفرض أسعارا أغلى، ستضطر إلى مراجعة نفسها وسياساتها، ومن هنا يأتي دور المستهلك، حتى يكون فاعلا أيضا لضمان التنافسية.
> كلما رفعت شركة معينة الأسعار تقابلها مقاطعة، هل تعتبرها سلاحا لردع الموردين، أم فيها إضرار بالاقتصاد الوطني؟
> تتبعتم كما هو الحال بالنسبة إلى جميع المغاربة، ماذا حدث في المقاطعة في 2018، في مقاطعة الشركات الثلاث، وتبين أنه كان هناك مشكل اقتصادي، إذ تأثرت مداخيل بعض الشركات، وأنا باعتباري متتبعا، أقول إن الموردين يجب أن ينتبهوا لمثل هذه الأمور، ويعلموا أن المستهلك المغربي ليس غبيا، وأنه يعرف حقوقه، وأصبح يلعب دوره باعتباره فاعلا اقتصاديا في البلاد.
لا يمكن أن يسبح المورد ضد التيار، إذ يجب أن يلبي رغبات المستهلكين، وبالتالي يجب تجنب كل المسائل التي يمكن أن تغضب الزبناء، تفاديا لتأثر الشركة اقتصاديا، وعندما نتحدث عن حقوق المستهلك، فهو الحق في الاختيار، ويضمنه له القانون.
تصور جديد
> أي دور اليوم لصندوق المقاصة بعد سنوات من تحرير الأسعار؟
> هذا الصندوق من الناحية الاقتصادية، كان يدعم منتوجات عشوائية، لدرجة كان يستفيد منه الفقراء والأغنياء والشركات والمنتجون، وبالتالي لم يكن يوفر جوا من التنافسية الحقيقية. ويمكن القول إن الأهداف التي بدأ من أجلها هذا الصندوق زاغ عنها، وأصبح في طريق لا تفيد المواطنين خاصة الضعفاء، ومن هنا نرى أنه يجب أن يبقى هذا الصندوق، وأن يقوم بأدواره، التي يجب أن يعاد تحديدها، وأن يستهدف الفئات الهشة وليس الأغنياء والشركات.
وكان لدينا رأي في التصور الجديد للصندوق، خاصة في ما يتعلق بالسكر، إذ قلنا إن الدولة يجب أن تدعم “القالب” وتتخلى عن دعم “السنيدة”، لأن “القالب” يشتريه الفقير، بينما المنتج الثاني تقتنيه الشركات والمصانع وغيرها، لذلك يستفيد هؤلاء من الدعم عشرات المرات مقارنة مع الفقراء، الذين جاء الصندوق ليساعدهم ويتحمل جزءا من نفقات الاستهلاك لديهم.
في سطور:
– من مواليد الجديدة 1960
– مسير شركة خاصة بالبيضاء
– دبلوم مهندس الدولة في الهندسة المعمارية 1983
– رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بالمغرب
أجرى الحوار: عصام الناصيري