الحكومة ألغت الدعم عن منتوجات دون توفير شروط المنافسة بين المتدخلين في السوق
تقرر، خلال 1941، إنشاء صندوق المقاصة، ليساهم في تثبيت الأسعار، بالحد من الآثار التي تحدثها تقلبات أسعار المواد المدعومة على المستهلكين، إذ يتم تقنين أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع، على أن يقدم دعم لمنتجي ومسوقي هذه المواد في حالة ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية. وكانت لائحة المواد المدعمة تشمل عددا من المنتوجات، مثل المحروقات والسكر والزيت، والحليب والزبدة وعدد من المنتوجات الأخرى، قبل أن تفرض الأزمة المالية التي عرفها المغرب مع نهاية السبيعينات وبداية الثمانينات، اعتماد برنامج التقويم الهيكلي، التي تخلت خلاله الدولة عن دعم جل المواد، باستثناء المحروقات والسكر.
لكن، رغم تقليص عدد المواد المدعمة، عرفت الاعتمادات المخصصة للمقاصة ارتفاعا ملحوظا، ما أثار النقاش من جديد حول الإصلاح لتخفيف العبء عن الميزانية العامة.
وبدأ الحديث عن إصلاح الصندوق بشكل جدي منذ 2007، إذ وصلت الميزانية المخصصة له حينذاك إلى 13 مليار درهم، واستمرت في الارتفاع إلى أن تجاوزت، خلال 2013، 53 مليار درهم، ما دفع الحكومة آنذاك إلى قرار الرفع التدريجي لدعم البنزين والغازوال، ما مكن ميزانية الدولة من توفير ما يناهز 30 مليار درهم.
ويتدخل الصندوق اليوم لدعم منتوجين هما السكر وغاز البوتان، ووصلت الاعتمادات المخصصة لدعم غاز البوتان، خلال السنة الماضية، 8 ملايير و 694 مليون درهم، في حين خصص مبلغ 3 ملايير و 248 مليونا، حسب معطيات صندوق المقاصة، لدعم أسعار السكر.
وإذا كان إلغاء الدعم قد خفف العبء المالي عن الميزانية، فإنه تسبب في الإضرار بالقدرة الشرائية للفئات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط والمحدود.
فهل كانت الحكومة واعية بطبيعة السوق والمتدخلين فيه، عندما قررت تحرير المحروقات؟ وهل هيأت الشروط المطلوبة لضمان منافسة حقيقية بين الفاعلين فيه؟ سؤالان أجاب عنهما بالنفي تقرير المهمة الاستطلاعية التي أنجزها مجلس النواب ، إذ أكد تقرير اللجنة البرلمانية أن الحكومة تعاملت مع الملف من وجهة نظر مالية صرف، إذ كان الهدف الأساسي من الإصلاح هو توفير الاعتمادات المالية التي كانت تحول لدعم هذه المنتوجات، وراهنت الحكومة على الظرفية الدولية التي كانت مواتية آنذاك. لكنها لم توفر الضمانات الكافية لتفادي تغول الشركات المسيطرة على السوق. وقد أكد التقرير أن هامش ربحها عرف زيادة بقيمة 96 سنتيما في اللتر بالنسبة إلى الغازوال و76 سنتيما في ما يتعلق بالبنزين، وذلك مقارنة بمستواه قبل التحرير، ما يعني أن الشركات ضاعفت أرباحها بعد التحرير. وهذا أمر طبيعي، إذ أن أي شركة خاصة يمثل الربح بالنسبة إليها، المحرك الأساسي لاستمرار نشاطها، وإذا كانت هوامش ربحها ارتفعت فالمسؤولية تقع على الحكومة، التي لم تكن تتوفر على رؤية واضحة، وراهنت في قراراتها على عوامل ظرفية كان الكل يجمع أنها مرحلية وأن تحرير القطاع سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لكن الهاجس المالي للحكومة جعلها تصم أذنيها ولم تعر الانتقادات الموجهة إليها أي اعتبار، ولم تهيئ الظروف المواتية والمطلوبة لضمان المنافسة داخل السوق.
عبد الواحد كنفاوي